الاستقرار ، الاستثمار والديمقراطية:

الاستقرار ، الاستثمار والديمقراطية

سقطت نظرية ربط الاستقرار بالاستثمار مع ملحقاتها الايدولوجية المتصلة بما يسمى «نعمة الامان» .. هذه المقولة التي غالبا ما تستخدم كاداة سحرية لتثبيط الهمم التي تطالب بالاصلاح وكأن الامان نقيض للحريات العامة والفردية في حين ان العكس هو الصحيح فالمجتمعات الديمقراطية يرتفع فيها منسوب الامان اضعافا بالمقارنة مع المجتمعات غير الديمقراطية.

ولان الطبيعة تكرة الفراغ فقد حلت محل هذه النظرية (ربط الاستثمار بالاستقرار) نظرية اخرى قائمة على ربط الديمقراطية بالرخاء ولهذا الاستبدال التاريخي اسباب لا تخفى على المراقب الدقيق.

لقد تمكنت – مؤقتا - نظرية ربط الاستقرار بالاستثمار من كبح المطالبة بالاصلاح لصالح حكم الاوليغارشية فتركز راس المال في فئة قليلة تدعي الاختلاف الجيني عن باقي خلق الله وبالتالي اضحى معنى «الاستقرار» بوابة لانعاش الفساد عبر تغييب الرقابة وبالتالي تمكينه وتجذير المحسوبية وكل ذلك بسبب غياب الرقابة التي توفرها المؤسسات الديمقراطية ليجري تقديم نموذج اسبارطة على نموذج اثينا وفي نهاية المطاف اضحى الاستقرار طاردا للاستثمار جالبا للفساد الامر الذي خلق الاجواء الملائمة لنشوء بؤر التوتر الاجتماعي.

كان المسؤول المستثمر الفاسد بالضرورة يقول ان الصحافة الحقت افدح الاضرار بصادراتنا من السلعة الفلانية نتيجة قيام الصحافة بنشر اخبار عن انخفاض سوية المنتج وعدم مطابقته للمعايير المتعارف عليها، غير ان المسؤول ينسى ان غياب الرقابة الاعلامية من شأنه ان يلحق افدح الاضرار بتنافسية الصناعة لان غياب الرقابة يطلق يد المستثمر في انتاج اردأ انواع السلع والخدمات.

هذا الذي ذكر انفا ليس سوى مثل «تقيدي» على ضرورة الرقابة غير ان الاخطر هو كيف يجلب الاستثمار الاجنبي لاقتصاد تتضاءل تنافسيته بسبب ازدياد مساحات الفساد المحمي بنظرية الاستقرار فالمستثمر الاحنبي لا يسأل عن ارتفاع نسب حوادث السير ولا عن متانة البنى التحتي بقدر تركيزه على السؤال عن مدى سيادة القوانين والقدرة على التقاضي العادل وغياب ثقافة الشراكة القسرية بالكومشن.

لعل الاستقرار بذاته نعمة لا تقدر بثمن غير انها ، بالاضافة الى كونها نعمة تصبح تاجا على جبين الدول الديمقراطية لا يراها الا ابناء الدول غير الديمقراطية.

ان القفز عن الديمقراطية وربط الاستقرار بالاستثمار هو ما يجلب الفقر وكبت الحريات وتغييب اليات الرقابة وينعش الفساد وبالتالي يحيل حياة الناس الى معيشة ضنكا.

سامي الزبيدي